أخشى الحرب، لا أريد الموت

أتذكر طفولتي في غزة. لم تكن طفولة عادية، كانت مليئة بالمفاجآت الغير سارة. كنت قد بدأت الذهاب إلى المدرسة لتوي. كنت أرى سيارات الجيش الإسرائيلي تحوط الشوارع الرئيسية، فكنت أتجنب العبور. لقد تأخرت في بعض الأحيان عن الذهاب للمدرسة خوفًا من مرور دورياتهم، فكنت أختبئ حتى يختفوا. في سن السابعة، كنت لا أعرف سبب هذا الخوف! كنت أكره بنادقهم الموجهة نحو وجهي

أتذكر عندما داهموا منزلنا في ضوء النهار للتفتيش. حاولوا الحصول على بعض المال أو الذهب. خبأت أمي مالها وذهبها بين طيات المفارش التي وضعتها خلف باب الغرفة. كنت كالعادة، أختبئ وراء الباب دافنة وجهي بتلك المفارش، حتى لا يرونني

هذه كانت طفولتي في غزة، طفولة غير عادية، حتى اختفت تلك الدوريات من الشوارع. ربما عشنا بعض السلام والحرية في التنقل بين المدن الفلسطينية. زارنا بعض الأقارب من الداخل الذين كنا قد حرمنا من التواصل معهم لسنوات طويلة. أحب الفلسطينيون هذا السلام! أحببنا المطار أيضا، ولكن

بدأت الإنتفاضة الثانية وأنا لازلت في المرحلة المتوسطة. صوت القصف يرعد في السماء، ومنذ ذلك الحين ونحن نعيش في حالة من التأهب، متى سنموت؟

وصلت المرحلة الجامعية، ولم تتحسن الأمور.كنا نعيش هذا الرعب اليومي. على الرغم من ذلك، لم أعتد رؤية الدماء، لم أعتد التشوهات التي تركتها تلك الهجمات داخلنا قبل أن تترك بصمتها على جسدنا. وكم من الصدمات النفسية التي اضطررنا للتكيف معها بالدراسة والتفوق لأنها الحل الوحيد المتبقي أمام الجيل الجديد. لا حلول أخرى متاحة

كنت فتاة مدرسية حالمة، تحب السفر والتنقل، لكنني لم أحظ بفرصة واحدة لزيارة مدن فلسطينية في الجانب الآخر. تعودت على شعور الحرمان. ما زلت أحلم بزيارة حيفا وعكا والقدس وأريحا! ولكن كفلسطينية حاملة للجنسية البلجيكية، لا يُسمح لي بالذهاب إليها، بينما يستطيع أي شخص آخر بلا جذور فلسطينية التنقل في بلدي بكل حرية! هذه حرية الإنسان الآن

في السنة الجامعية الأخيرة، أثناء استعدادي للاختبارات النهائية، ذهبت مع أختي إلى عيادة طبية. أثناء عودتنا، حدث انفجار هائل. بلغ صداه في كل القطاع، بدأت السيارات تتسارع وصراخ يملأ الشوارع. دخان ونيران تتناثر بالأجواء. لم نجد سيارة تاكسي لتقلنا، فعدنا سيرا على الأقدام. كان هذا الانفجارعبارة عن قصف لعدة مواقع في نفس اللحظة في جميع أنحاء القطاع. يومًا بعد يوم، زادت حدة القصف والعدوان. عشت فترة صعبة خلال العدوان في نهاية عام ٢٠٠٨. كنت بعيدة عن منزلي الواقع في وسط غزة، ولم أستطع العودة بسبب قطع الطرق. اضطررت للفرار إلى وسط القطاع. لم يكن هناك أحد قريب ولا صديق. مكثت في مدارس الوكالة التي لم تنجُ أيضًا من القصف. شعرت بالخذلان والضعف. هذا العالم لا يفهم هذه القسوة. العدو يزيد من ضرباتهم وقسوتهم خلال الليل، حين أغفو قليلا بعدها أتحسس جسدي إن كان ما زال قطعة واحدة

نجوت من الحرب بأعجوبة. قررت أن أعيش، أنا أستحق الحياة. كنت محظوظة لأنني هربت من الخوف إلى بلاد آمنة، لكنني لم أنسَ أصوات الدبابات والقصف حتى الآن. لم أعتد صوت الطائرات الآمنة. أما صوت الألعاب النارية فهو فيلم رعب. لا بد لي من الادعاء بأنه شيء مبهج في استقبال عام جديد

عشت في أمان لعشر سنوات. ومع ذلك، كنت أخاف كلما مر عدوان على أهلي وأصدقائي

الوجع الحقيقي هو أنني لم أستطع رؤية أمي أثناء مرضها، حتى توفيت! علي أن أعيش مع هذا الفقد طوال حياتي، لأنني حتى الآن لا أتقبل بأنهم السبب في أنني لم أعُد حتى للزيارة

كنت أخطط للسفر مع زوجي وابنتي في نهاية العام أو العام المقبل لزيارة عائلتي بعد غياب عشر سنوات! ابنتي تستحق معرفة جدها وعائلة أمها. ولكن هذه المجازر التي تحدث الآن جعلتني أدرك بأن شعور الأمان الذي شعرت به كان غير حقيقي

أشعر بالأنانية، لأنني شكرت الله ألف مرة بأنني لم أذهب، ولم تتعرض ابنتي لهذا العنف والصدمة لكنني لست سعيدة وعلي أن أواصل عملي اليومي على الرغم من أن أحبائي قد لا ينجون في الساعة المقبلة

صدقوني، فقدت الكثير خلال العدوان الحالي. ما يحدث هناك لا يمكن أن يصدقه العقل. إن نجوا من الموت، كيف سيتعافون من الصدمة؟

نعم، فقدت صديقتي التي عرفتها على مقاعد الدراسة. استشهدت مع عائلتها كلها وأطفالهم. قتل كاتب غزي عرفته من خلال النشاطات الثقافية. اختفى ابن الجيران. أم رزقت بطفلة بعد سنوات من المحاولة، والآن طفلتها التي لم تتجاوز العامين فقدت إحدى ساقيها! أطفالكم ليسوأكثر أهمية من أطفال غزة

حياتي هنا في بلجيكا، لكن قلبي لم يعد يحتمل. لم أعد أؤمن بالقانون الدولي وحقوق الإنسان وقيمته. هذا العالم خدعنا وصدقناه. لا عدالة على هذه الأرض

Leave a comment

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.

Blog at WordPress.com.

Up ↑

Design a site like this with WordPress.com
Get started